كانت العادة في المسرح، أن يصطف الممثلون في نهاية العرض الفني لتحية الجمهور ودعوة المخرج وكاتب المسرحية للصعود إلى الخشبة لينالا حظهما ...
كانت العادة في المسرح، أن يصطف الممثلون في نهاية العرض الفني لتحية الجمهور ودعوة المخرج وكاتب المسرحية للصعود إلى الخشبة لينالا حظهما من تصفيقات وتحيات الجمهور. لكن هذا التقليد يوحي للجمهور بأن أحداث المسرحية متخيلة، وأن الممثلين ليسوا سوى أدوات لتبليغ الرسالة، أما من يحرك أحداث اللعبة المسرحية ووقائعها هما الكاتب والمخرج.
تذكرت هذه الطقوس المسرحية وأنا أعاين مثل غيري كيف تتخبط وزارة الخارجية المغربية ويفلت منها "راس الخيط" كلما انخرطت البلاد في أزمة ديبلوماسية حادة، حيث يسود الاعتقاد أن الديبلوماسيين الغارقين في سبات عميق فوجئوا بالأزمة تنقض عليهم محاولة خنقهم، بينما السياسة هي فن التوقع، وتراهم يهرولون ويتجراو يمينا ويسارا وهم في حيرة من أمرهم من أجل إطفاء الحريق، الذي هبط على رؤوسهم بحال الرعدة، فكم من مرة اطلعت وزارة الخارجية على خبر قطع المغرب لعلاقاته الديبلوماسية مع بلد ما، من وسائل الإعلام بحالهم بحال باقي عباد الله، لذلك لم يعد أحد يندهش وهو يستمع لوزير الخارجية وهو يدلي بتصريحات متناقضة للصحافة خصوصا إذا لم يكن قد تسلم خريطة الطريق من المخرج وكتاب المسرحية "الدبلوماسيئة" الذين اعتادوا العمل على جر الخيوط من وراء حجاب، لتحريك الدمى والعرائس كيفما شاؤوا، وقلما صعدوا إلى خشبة المسرح من أجل أن يتعرف الجمهور على هويتهم الحقيقية، مع أنه يعرف جيدا أن كل الوزارات تسير بهذه الطريقة.
منذ أكثر من نصف قرن ظلت الديبلوماسية المغربية حكرا على بعض العائلات التي تتوارث مناصب السفراء أبا عن جد، وكيتقونصو في مناصبهم الموروثة، ونادرا ما يحدث أن يتسرب واحد من أبناء الشعب مهما كانت جدارته بالمنصب، إلى محراب الوزارة المحرمة.
وكثيرا ما اعتبر أبناء الذوات منصب السفير فرصة للبيع والشراء واللعب في ميزانية الحفلات والأعياد المنتزعة من أموال المغاربة، ولا يجب أن ننسى المغاربة القاطنين بالخارج والعمال المهاجرين والطريقة الغير المقبولة التي تعاملهم بها سفارات المغرب في تلك البلدان ويستغل السفير منصبه للاستجمام والراحة والعطل الدائمة وممارسة التجارة والوساطة في الصفقات، ولا يتذكرون أنهم سفراء للمغرب إلا حين يحل موعد بعض المناسبات والأعياد التي تستدعي منهم استقبال الضيوف الأجانب على أنغام الموسيقى الأندلسية.
وقد ذهل المغاربة حين علموا يوما بأن بعض السفراء في بلدان تدخل ضمن خريطة بؤر التوتر، قد غادروا السفارة ولزموا بيوتهم بالرباط أو في عاصمة أوروبية تنعم بالأمان، فيما يحكمون على موظف من الدرجة العاشرة أن يظل قابعا بالسفارة لتدبير أمورها على إيقاع نغمات الرصاص والمدافع.
هناك دول تعتبر سفراءها بمثابة جنود يقفون في الصفوف الأمامية لجبهة الدفاع عن مصالح بلدانهم وأوطانهم وشعوبهم، وهناك سفارات أجنبية من بينها المتواجدة على أرض المغرب، تستنفر كل إمكانياتها وموظفيها لحماية مواطن واحد تعرض لمكروه مهما صغر أو كبر، وانتداب محامين للدفاع عنه أو توفير إمكانيات ترحيله إلى موطنه الأصلي.
الفرق كبير بين الديبلوماسي المناضل، والديبلوماسي الجامد الذي لا يتحرك من مكانه إلا إذا تلقى الأمر من "المخرج" و "كاتب السيناريو"، لأنه يعلم بان "الخروج عن النص" أو حتى الاجتهاد الشخصي سيعرضه للمساءلة والعقاب والإبعاد، وزارة الخارجية عندنا، هل هي خارجية عن إرادتنا؟ إنها خارج العصر.
*أحمد السنوسي
www.facebook.com/Ahmed-Snoussi-Bziz
التعليقات