تظهر الكوارث الطبيعية التي تخلف خسائر فادحة في الارواح والممتلكات، أن الجهاز المخزني بمؤسساته ورجالاته الاقوياء يتعاملون مع الوضع الك...
وينقل مِؤرخو المملكة أنه ابان الكوارث الطبيعية ، يجد المغاربة انفسهم وجها لوجه في مواجهتها بعد ان يتوارى اعضاء المخزن عن الانظار كما حدث مع الاوبئة التي اودت بحياة العديد منهم بداية القرن الماضي، حيث تركوا يواجهون الطاعون وغيره من الامراض الفتاكة او كما حصل في نفس الفترة مع المجاعة التي اكتسحت بوادي المغرب بعد استيلاء الاستعمار الفرنسي على الاراضي الخصبة وتصدير كل الانتاج الفلاحي لاوروبا أثناء الحرب العالمية .
وتتحدث المونوغرافيات الاستعمارية وايضا بعض البحوث التي قام بها مغاربة ، عن تحالف جور الطبيعة مع جور المخزن ضد المغاربة، خاصة المنضوين منهم تحت لواء القبائل المتمردة ، حيث رغم قساوة الظروف، يتم تجنيد قواد المخزن واعيانه عبر حركات منظمة لاستنفاد مدخرات القبائل من مؤن وممتلكات عوض تقديم المساعدة اليهم.
لم يشكل المخزن سوى ائتلاف مصالح، ولا يمثل فكرا بناءا أو ارادة ايجابية موحدة، يقول هنري تيراس في احد مؤلفاته عن المغرب العتيق، ان هدفه الأسمى ينحصر في خدمة الجماعات والأشخاص الذين يكونونه. لكن ماذا عن الشعب؟
تتحدث هذه الادبيات على ان الجهاز المخزني المسيطر على الدولة بالمغرب منذ عقود، لا يعترف بوجود شعب له كيانه وهياكله وحضارة وتاريخ. لذلك عاش المغرب على الدوام صراع لا تهدأ فصوله الا لتبدأ أخرى، بين مكونات المخزن والمكونات الشعبية التي كانت أنذاك تمثلها القبائل والزوايا.
وهو صراع تمرد لا صراع ثورة ضد نموذج للحكم متعالي على المجتمع، حيث كان المخزن، ولا يزال، في لحظات ضعفه، يستميل قيادات القبائل والزوايا، التي غالبا ما تهدد استقراره وتقف ضد مطامعه، عبر فرملته في اللحظة المناسبة لأية خطوات عملية من شانها تحرير المجتمع من سيطرته .
ورغم المظاهر العصرية للمغرب الحديث، فان سلوك السلطة اتجاه المغاربة لم يتغير، رغم الثخمة في الحديث عن حقوق الانسان، والحداثة والديمقراطية والمجتمع المدني والتعددية الحزبية، فيكفي أن يكون المخزن العتيق هو من يسهر على "أجرئتها" وتنزيلها، كي تفرغ من كل محتوياتها ومبادئها الاساسية.
ويعمد المخزن خلال سياسة الانفتاح على مكونات الشعب، الى توفير الغطاء الشرعي لتمرير قوانين تؤمن رجالاته ومؤسساته من اي حساب او مراقبة. وقد اتخذت هذه القوانين، في الوقت الراهن خطا تصاعديا، بنفس الاسلوب الذي نهجه قديما، ويحدث ذلك اليوم تحت مسميات جديدة اهمها دستور المملكة الممنوح والانتقال الديمقراطي والانتخابات والتناوب التوافقي...
هذا المخزن الذي يأخذ ولا يعطي الاعبر سلسلة الزبونية وقانون الولاء والطاعة، هل يمكن ان يعيش مغاربة اليوم بدونه؟ وهل سقوط المخزن في هذه المرحلة التي تعصف فيها ركائز الانظمة المستبدة،من شانه تفتيت كيان مجتمع اخترقته المصالح المخزنية وزرعت فيه روح الانانية والمصالح الضيقة؟ هل يعكس السؤالان مخاوف المثقفين والسياسيين فعلا من سقوط المخزن ام ان هناك اشياء اخرى؟
للحديث بقية حول "علاقة المخزن بالمجتمع وافاقها " ضمن سلسلة زاوية نظر.
التعليقات