*غيض من فيض خيبة أمل استيقظ مذعورا خائفا ومفزوعا، وأشعل نور اللَمبَة الموضوعة بجانب الإبتسامة العريضة المرسومة فوق جبين زوجته...
*غيض من فيض
خيبة أمل
استيقظ مذعورا خائفا ومفزوعا، وأشعل نور اللَمبَة الموضوعة بجانب الإبتسامة العريضة المرسومة فوق جبين زوجته النائمة. تسلل من السرير وأشرع أبواب النافذة المطلة على الشارع العام : كهل يغزو الشيب شعره يصرخ والدموع تسيل من عينيه : "هرمنا من أجل أن لا تأتي هذه اللحظة التاريخية الملعونة ".. وفي الاتجاه المعاكس، رجل اخر يتجول بنصف قميص نوم على قارعة نفس الطريق، وقف أمام عدسات العالم تحت مصباح باهت وضباب كثيف، يصرخ هو ايضا كالمجنون : " كم انت عظيم يا هذا الشعب ..فمن خاف نجا و من تخلف عن العهد وفا.. المخزن لم يهرب ..المخزن لم يرحل .. يا أيها الشعب العظيم لم يعد هناك خوف لا من الخوانجية ولا من الناطو.. فالعاصفة مرت بسلام .. وعاش المخزن وعاش الشعب الذي لا يريد أن يعيش بدون مخزن .." ؟
لم يصدق ما سمعه وما رآه. أغلق النافذة بسرعة وأحكم اغلاقها، وقبل أن يعود للنوم، ألغى جميع مواعيده والتزاماته إلى أجل غير مسمى، وتمدد فوق السرير ليغرق في ابتسامة زوجته العريضة.
رياضة
نصحه طبيبه بأن يكثر من المشْي لإزالة الدهون التي غَلًفَت جهازه الهضمي. ومنذ ذلك الحين، واظب الرجل المشاركة في مسيرات الشعب التي تجوب الشوارع والأحياء كل يوم أحد مطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد. بعد مرور سنة عن مزاولته لرياضة المشي، استفحلت حالته الصحية، فكشف فحص طبي أجراه مؤخرا ، أن تلك الدهون التي تغلف جهازه الهضمي تتكاثر بشكل غير طبيعي، فما كان على طبيبه الخاص إلًا ليَعْرٍِضَهُ على محلل نفساني قبل فوات الأوان.؟
دابة الآخرة
حَذَّر إمام المسجد المصلين من المشْي وراء المظاهرات المطالبة برحيل المخزن وإسقاط الفساد والاستبداد. وقال في خطبته العصماء، أن الشباب باعتبارهم ناقصي تجربة ودين ويسهل إغرائهم واحتوائهم ، سكنهم إبليس الرجيم وأن زعيمهم ليس إلا عيسى الدجال الذي أنزله الله للأرض مع دابته حتى يخرج الناس عن ملتهم ويجرهم معه للهلاك.
حينئذ سأل رجل الإمام : " واذا خرجنا من المسجد فمن نتبع يا سيدنا؟ " فأجابه الإمام دون تردد : "اتبعوا حكومة الشيخ عبد الإله بنكيران فهي مُسَخًرَةٌ لتُريكُمُ الصراطَ المستقيمَ وتُعبر بكم إلى بر الأمان".
نفاق
خرج الأصوليون والعلمانيون و اليمينيون واليساريون والمحافظون والحداثيون في صف واحد كأسنان المشط، في مسيرة عارمة، بنظام و انتظام، ضد الفساد والاستبداد، و جابت كبريات المدن و البلدات، فأرهبت السائدين وأخافتهم. و ما أن انتهت المسيرة، واتفق الجميع على نجاحها، تفرقوا بعد التقاط صور تذكارية لهم. وفي استجواباتهم الصحافية، حَوًلَ كل واحد منهم سهمه لصدر الأخر. غير أن بقية المشاركين في المسيرة والذين لا انتماء لهم إلاً إسقاط الحكرة والظلم، كانت جميع الطعنات والسهام توجه لظهورهم من الخلف عن قصد وبترصد.
طلاق
بعد يوم كامل في المظاهرة وجد زوجته تنتظره بالبيت وهي تُرعد وتُبرق في وجهه عاصفة استوائية :" انت لا تفكر لا في نفسك و لا في أسرتك ولا في مستقبل أبنائك وتلعب بالنار التي ستقضي على هذا البيت الذي بنيناه طوبة طوبة " ؟ بعد ان تمخض رعدها وبرقها امطارا، التفت إليها ثم جلس غير آبه بما تقول يخلع حدائه و جواربه التي التصقت برجليه من شدة المشي. لكنها عادت وأصرت أن تضع النقط على الحروف وخيرته بين اثنين : البيت أو الشارع الذي اختطفه منها .
لم ينطق الرجل بأي كلمه واثقا من نفسه دخل غرفة النوم و فتح دولابا ، أخذ منه ثوبا أبيضا مستطيلا يشبه الكفن، ثم أحدث جرحا غائرا بأصبع يده اليمنى وكتب من دمه على قطعة الثوب : " المخزن أسقط زوجتي ".
ومنذ ذلك الحين، شاهده رفاقه كل يوم أحد يجوب الشوارع وهو يجدب على إيقاع شعاراتها وسط المظاهرات، رافعا لافتته البيضاء المخطوطة بدمه. وكان حينها قد خضع لضغوط زوجته فلبى رغبتها ... فاختار ما بين البيت والشارع ... !.
* كتب هذا النص يوم الجمعة 24 فبراير 2012 ( مدونة الشعب يريد)
التعليقات